» » » » التجديد في الفكر الإسلامي بين التقليد والتجديد - المهدي الطاهر زيري

بسم الله الرحمان الرحيم
 والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد عبد الله ورسوله وعلى آله وصحبه أجمعين ومن صار على نهجهم اقتفى أثرهم إلى يوم الدين
أما بعد

الأمة التي ترفض التجديد تموت وهي ما تزال تتنفس

قد يثبت عند البعض فيما يراه الكثير من الدارسين قصور العلوم الشرعية عن مسايرة التطور، وأن هذا  راجع أساسا إلى اعتمادها على المنهج التاريخي والوصفي، وهذا راجع إلى قصور عقولهم على استيعاب نصوص الوحيـ القرآن وصحيح السنة بفهم سلف الأمةـ وبناء الفروع على الأصول لمعرفة الحكمة والغاية والمقصد التي جعلها الشارع مناط للحكم فيكون الدارس والباحث على حد سواء في الفهم والتنقيح والبحث عن المقصد والعلة
وإن من أسباب تخلف الفهم وتراجع التفكر والتدبر في العلوم الشرعية راجع إلى اعتماد الباحثين في العلوم الشرعية على المنهج الوصفي و التاريخي لا على المنهج الأصولي الاستنباطي المقاصدي الذي يمنحك طاقة إيمانية في الانطلاق نحو مقصد العبودية والتذلل للخالق سبحانه وتعالى ولفهم المنهج الأصولي الاستدلالي أو المقاصدي إذ علينا كباحثين أن نسلط الضوء على علوم الوسائل وعلوم المقاصد للحاجة الماسة إلى فهم جانبين أساسين من جوانب المعرفة. الجانب الأول : معرفة فترة الإنتاج المعرفي الإسلامي، أعنى به كيفية بناء وتأسيس المعرفة الإسلامية قبل عصر التدوين في عهد الصحابة رضوان الله عنهم، بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكيف تعامل الصحابة والتابعين مع كتاب الله – تعالى ـ  ومع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتراث الصدر الأول،  وكيف بدؤوا يتحولون من حالة الأمية إلى الحالة المعرفية والثقافية التي آلوا إليها، ثم بنوا حضارتنا الأولى على أسس متينة منها.
وإننا اليوم نرى كثيرا من الباحثين وفي مقدمتهم خاصة من ـ يعتبرون معرفتهم بتلك الفترة وما صاحبهاـ  معرفة كاملة شاملة وذلك من خلال المعرفة الوصفية التاريخية؛ وقد يعتبر بعضهم أن هذا النوع من المعرفة يمكن أن يلحق بالبديهيات؛  لكن الأمر ء في الحقيقة غير ذلل ولم يعيروا اهتماما إلى كون المكان والزمان لا تصلح له إلا الشريعة ،فإن هناك أسئلة كثيرة لا تزال تبحث عن إجابات الباحثين في الفكر الإسلامي يتبين لنا من خلال هذا القول بدون شك أن المعرفة الوصفية معرفة ناقصة على الأقل، من جهة أنها لا تكشف لنا عن ارتباط الأسباب بالمسببات، ولا تساعدنا على التمييز بين العوامل المباشرة وغير المباشرة التي تؤثر في ظاهرة ما.  وإذًا فما السبيل إلى النهوض بها وجعلها تتجاوز هذا القصور، والعجز الذي وقعنا فيه أليست الشريعة ؟ لا سبيل إلى ذلك إلا باعتمادها المنهج التحليلي: ولقد آن الأوان لقراءة هذه القضايا لا من خلال "تاريخ التشريع أو الفقه" أو المنهج الوصفي الذي يقوم عليه بل من خلال منهج تحليلي يحاول أن يقوم بدراسة فاحصة تفكك قضايا تلك الفترة،  وتعيد ترتيب العلائق بينها بشكل يسمح بمعرفة ما وراء كل قضية من تلك القضايا، والآثار التي ترتبت عليها واستخلاص  الدروس والعبر منها
واعتماد الدراسات الشرعية للمنهج التحليلي ليس بدعة من البدع، بل هو ضرورة حتمية تتطلبها حاجة العصر ومقتضياته وما تستلزمه هذه العلوم التي تتوقف عليها أصلا  النهضة الحضارية برمتها لهذه الأمة الإسلامية. وذلك من حيث إن نمسك هذه العلوم بالمناهج  التقليدية جعل الأمة الإسلامية تعيش حالة فصام خطيرة في شخصيتها، إذ هي تفكر بطريقة وتحيا بأخرى وهذا أثر غير طبيعي البتة، بل هو الذي تسبب في إفرازات خطيرة من أبرزها : الصراع القائم بين دعاة الأصالة ودعاة المعاصرة،وهذا الصراع ما كان له أن يظهر لو تم التوافق بين منهج الفكر،ومنهج العمل، و حقا إن هذا التوافق لم يحدث بسبب أن الأطر القائمة على تدريس العلوم النقلية المعروفة بالعلوم الشرعية، ووسائلها، حصرت ذاتها في الأوقاف التي تركها الآباء والأجداد، ولم تسلم هذه الأوقاف من اعتداء الخلف عليها بالاستيلاء الفردي والرسمي فزاد ذلك في عجزها عن أداء دورها
كما أن المناهج الدراسية التي تَقدم فيها قائمة غالبا على التقليد والمحاكاة، وتمثل في معظمها ثقافة تراثية مما ترك الآباء والأجداد من اجتهادات من العسير جدا أن تؤدي إلى إيجاد العقلية المسلمة المعاصرة، التي كانت قادرة على الاتصال بينابيع المعرفة الإسلامية، والإفادة منها لمعالجة الواقع وتقويمه فالقضية : هي قضية المنهج وإصلاحه، ذلك أن العلوم الشرعية كانت في فترة من الفترات مسايرة للعصر و منسجمة معه، حينما كانت هذه العلوم تمتلك َأزِمَة المنهج وتتحكم في إنتاجها تحكما كليا، وكذلك العلوم الأخرى التي شاعت وانتشرت في العصور الإسلامية الزاهرة :"و لقد كان المسلمون هم الأسبق إلى وضع المناهج، وتطويرها، وتحديد طرائق البحث، والتفكير، و وسائل المعرفة .. ولا تزال الأصول المنهجية التي أسسوها، أساس انطلاق أي من علماء الغرب و سواء ذلك في مجال العلوم النقلية أو العقلية، حتى أرسوا مناهج لكل علم من العلوم الشائعة في عصرهم على حده فتصميم طرائق البحث،  وبناء المناهج كان السمة المميزة للحضارة العربية الإسلامية،  وكان لأهل العلوم الشرعية باع طويل في هذا المجال،فكيف وقعت اليوم في هذا العجز الفظيع ؟ إنه:"...منذ أن أحكم الغرب قبضته على مقاليد العالم ومنه العالم الإسلامي في أواخر القرن الماضي لم ير الناس غير ثقافته، فاعتبرت المحور والمقياس لكل فكر ومعرفة
ومع الغلبة التي حققها الغرب، بدأ الاجتياح والغزو الثقافي، وبدأت الحصون الفكرية والثقافية للأمم الأخرى تتهاوى أمامه .. وعلى الرغم من أن الأمة الإسلامية وبأجمعها لم تستسلم للثقافة الغازية، والتجأت إلى تاريخها الثقافي والحضاري تحتمي به من الاقتلاع، إلا أن هذا الالتجاء إلى المواريث مع العجز عن التعامل المنهجي معها وإنحال دون ذوبان الأمة إلا أنه لم يمكنها من عملية النهوض والبناء الحضاري يعنى ذلك أن القصور المنهجي الذي وقعت فيه الأمة الإسلامية حال بينها وبين تثمين تراثها الثقافي ، واستلهام المفيد منه في مواجهة متطلبات العصر، وقد انجر عن هذا القصور المنهجي مع إلحاح الحاجة إلى مسايرة تطورات العصر ، إلى ظهور نزوع واضح في تقليد الطرف الآخر، وظهر ذلك جليا في المجال الأكاديمي خصوصا، وكان ذلك بدافع تدارك الفارق الحضاري،إن نحن أخذنا بمناهجهم وتقبلنا معارفهم دون تحفظ
وهكذا استحال الإطار الأكاديمي هو بذاته إلى عقبة ، بدل أن يكون إمكانية حل الاستعادة قدرتنا على الإبداع المنهجي

المهدي الطاهر زيري - بتصرف


»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد