» » أخطاء فـــي الدعاء

أن يشتمل الدعاء على شيء من التوسلات الشركية: كأن يُدعى غير الله _ تبارك وتعالى _ من بشر، أو حجر، أو شجر، أو جن، أو غير ذلك، فهذا أقبح أنواع الاعتداء في الدعاء؛ لأن الدعاء عبادة، وصرفه لغير الله شرك، والشرك أعظم ذنب عصى الله به.
2_  أن يشتمل على شيء من التوسلات البدعية: كالتوسل بذات النبي"، أو بجاهه _ عليه الصلاة والسلام _، فهذا التوسل توسل بدعي، والدين مبناه على الاتباع لا الابتداع، والبدعة بريد الكفر
3_تمني الموت وسؤال ذلك: فبعض الناس إذا زاد به البلاء، واشتدت به اللأواء _ تمنى الموت، وسأل الله أن يتوفاه، وهذا خطأ.
فعن قيس قال: أتيت خبابًا وقد اكتوى سبعًا قال:=لولا أن رسول الله"نهانا عن أن ندعو بالموت لدعوت به
وعن أنس÷قال: قال رسول الله":=لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيًا للموت _ فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيرًا لي
قال الشيخ عبدالرحمن ابن سعدي في شرحه لهذا الحديث:=هذا نهي عن تمني الموت؛ للضر الذي ينزل بالعبد، من مرض، أو فقر، أو خوف، أو وقوع في شدة أو مهلكة أو نحوها من الأشياء؛ فإن في تمني الموت لذلك مفاسدَ منها: أنه يؤذن بالتسخط والتضجر من الحالة التي أصيب بها، وهو مأمور بالصبر، والقيام بوظيفته، والصبر ينافي ذلك.
ومنها أنه يضعف النفس، ويحدث الخور والكسل، ويوقع في اليأس.
والمطلوب من العبد مقاومة هذه الأمور، والسعي في إضعافها وتخفيفها بحسب اقتداره، وأن يكون معه من قوة القلب وقوة الطمع في زوال ما نزل به.
وذلك موجب لأمرين: اللطف الإلهي لمن أتى بالأسباب المأمور بها، والسعي النافع الذي يوجبه قوة القلب ورجاؤه.
ومنها أن تمني الموت جهل وحمق؛ فإنه لا يدري ما يكون بعد الموت؛ فربما كان كالمستجير من الضر إلى ما هو أفظع منه، من عذاب البرزخ وأهواله.
ومنها أن الموت يقطع على العبد الأعمال الصالحة التي هو بصدد فعلها، والقيامِ بها، وبقية عمر المؤمن لا قيمة له؛ فكيف يتمنى انقطاعَ عملٍ الذَّرَّةُ منه خير من الدنيا وما عليها؟!.
وخصّ من هذا العموم قيامه بالصبر على الضر الذي أصابه؛ فإن الله يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب
4_ الدعاء بتعجيل العقوبة: كأن يقول الإنسان: اللهم عجل عقوبتي في هذه الدنيا؛ لأدخل الجنة يوم القيامة، وأسلم من عذاب النار! فهذا خطأ، وأولى لهذا ثم أولى له أن يسأل الله السلامة في الدارين.
فعن أنس÷أن رسول الله"عاد رجلاً من المسلمين قد خَفَتَ فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله":=هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟
قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبني به في الآخرة فعجله لي في الدنيا.
فقال رسول الله": سبحان الله، لا تطيقه،أو لا تستطيعه، أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار؟ فدعا الله له، فشفاه
5_ الدعاء بما هو مستحيل، أو بما هو ممتنع عقلاً أو عادةً، أو شرعًا: كأن يدعو بأن يخلد في الدنيا، أو أن يعطى النبوة، أو ألا يقيم الله الساعة، أو ألا يمر الناس على الصراط، أو أن يسأل الله أن يحيي الموتى، أو أن يسأل رؤية الله في الدنيا، أو أن ترفع عنه لوازم البشرية، فيستغني عن الطعام والشراب، والنَّفَس، أو أن يطلب الولد دون زواج أو تسَرٍّ، أو يسأل الثمر دون زرع أو حراثة، أو أن يعطى جبلاً من ذهب، أو أن يكون متواجدًا في مكانين في آن واحد، وهكذا دواليك...
6_ الدعاء بأمر قد فرغ منه: وهذا قريب مما قبله، فهذا الدعاء من باب تحصيل الحاصل؛ فالشيء إذا فرغ منه لم يتعلق بالدعاء فيه فائدة.
كمن يسأل الله ألا تهلك هذه الأمة بسنة بعامة، وألا يسلط الله عليها عدوًّا من سوى أنفسها فيستبيح بيضتها، فهذان أمران دعا بهما النبي"وأجيبت دعوته.
ومن ذلك أن يدعو ألا يدخل الكفار الجنة إن ماتوا على كفرهم، أو أن يدخلوا النار، أو أن يخلدوا فيها، أو بألا يخلد المؤمن في النار، فالدعاء بمثل هذه الأمور وما شاكلها _ تحصيل حاصل؛ لأنه دعاء بأمور قد فرغ منها.
7_ أن يدعو بما دل الشرع على عدم وقوعه: كأن يدعو على مسلم ألا يدخل الجنة، أو أن يدعو لكافر بدخول الجنة بعد أن مات على الكفر.
8_ الدعاء على الأهل والأموال والنفس: وقد مر بنا الدليل قريبًا على عدم جواز هذا الدعاء.
9_ الدعاء بالإثم: كأن يدعو على شخص أن يكون مدمنًا للخمر، أو أن يميته الله كافرًا، أو أن يبتلى بالزنا أو غير ذلك، أو أن يدعو الله أن ييسر له الفساد والفجور.
10_ الدعاء بقطيعة الرحم: كأن يقول: اللهم فرق بين فلان وأمه، أو أقاربه أو زوجته، أو يقول: اللهم فرق شمل المسلمين، وخالف بين كلمتهم.
11_  الدعاء بانتشار المعاصي: كما تفعل الرافضة؛ فهم يدعون، ويتمنون أن ينتشر الفساد، وتكثر المعاصي في الأرض؛ حتى يخرج المهدي _ بزعمهم _ فيملأ الأرض عدلاً وقسطًا كما ملئت جورًا وظلمًا!.
12_  تحجير الرحمة: وقد مر بنا قريبًا، كحال من يقول: اللهم أنزل الغيث على بلادنا فحسب، أو اللهم اشفني وحدي ووفقني، وارزقني وحدي، أو نحو ذلك.
13_ أن يخص الإمام نفسه بالدعاء دون المأمومين إذا كانوا يؤمِّنون وراءه: كأن يقول: اللهم اهدني، وارحمني، وعافني.
قال"كما في حديث ثوبان:=ولا يؤم قومًا فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم
=والمراد بهذا الحديث إذا كان الدعاء يُؤَمَّنُ عليه كدعاء القنوت، والدعاء في خطبة الجمعة.
أما دعاؤه لنفسه في سجوده، أو في آخر الصلاة قبل أن يسلم _ فلا بأس بأن يخص نفسه؛ لما ثبت عنه"أنه يقول في سجوده: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، أوله وآخره+ الحديث.*
14_ ترك الأدب في الدعاء: وذلك بأن يدعو بما لا يليق، وبما ينافي الأدب مع الله _ عز وجل _ كأن يقول: اللهم يا خالق الحيَّات، والعقارب، والحمير، ونحو ذلك.
قال الخطابي×:=ولا يحسن أن يقال: يا ربَّ الكلاب، ويا ربَّ القردة والخنازير ونحوها من سفل الحيوان، وحشرات الأرض، وإن كانت جميع المكَوَّنات إليه من جهة الخلق لها، والقدرة عليها شاملة لجميع أصنافها
ولهذا فاللائق بالعبد حال دعائه لربه أن يتأدب غاية ما يمكنه، وأن يتجنب كل ما ينافي كمال الأدب؛ ذلك أن مقامه بين يدي ربه مقام ذلة وخضوع؛ فلا يليق به إلا كمال الأدب.
قال الخطابي×:=ولو تقدم بعض خدم ملوك أهل الدنيا إلى صاحبه ورئيسه في حاجة يرفعها إليه، أو معونة يطلبها منه _ لَتَخَيَّر له محاسن الكلام، ولَتَخَلَّص إليه بأجود ما يقدر عليه من البيان.
ولئن لم يستعمل هذا المذهب في مخاطبته إياه، ولم يسلك هذه الطريقة فيها معه _ أوشك أن ينبو سمعُه عن كلامه، وألا يحظى بطائل من حاجته عنده.
فما ظنك برب العزة _ سبحانه _ وبمقام عبده الذليل بين يديه، ومن عسى أن يبلغ بجهد بيانه كُنْهَ الثناء عليه؟!.
وهكذا رسوله وصفيه"قد أظهر العجز، والانقطاع دونه، فقال في مناجاته:=وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك+.
فسبحان من جعل عجز العاجزين عن شكره والثناء عليه شكرًا لهم
15_ الدعاء على وجه التجربة والاختبار لله _ عز وجل _: كأن يقول: سأجرب وأدعو؛ لأرى أيستجاب لي أم لا!.
16_ أن يكون غرض الداعي فاسدًا: كأن يسأل الله أن يرزقه مالاً؛ ليتكثر به ويفتخر على الناس، أو ليستعين به على المعاصي، أو أن يسأل الله ملكًا أو سلطانًا؛ ليحارب من خلاله أولياء الله، ويتسلط عليهم.
17_ أن يعتمد العبد على غيره في الدعاء: فتجد من الناس من لا يدعو الله بنفسه؛ بحجة أنه مذنب، فتجده دائمًا يطلب من العلماء، والعباد، والصالحين أن يدعوا له.
19_ قلة الاهتمام باختيار الاسم المناسب أو الصفة المناسبة: فتجد بعض الداعين، أو كثيرًا منهم لا يهتم بهذا الأمر، فمن ذلك قول بعضهم: اللهم ارحمني يا شديد العقاب، أو اللهم عليك بالكفار يا أرحم الراحمين، أو نحو ذلك...20_ اليأس أو قلة اليقين من إجابة الدعاء: فكثير من الناس إذا أصيب بمرض عضال يغلب على الظن أنه لا يبرأ، وأن المصاب به لا يشفى _ تجده يَدَعُ الدعاء، ويترك اللجوء إلى الله؛ ليأسه، وقلة يقينه بأن الله قادر على تبديل الحال.

»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد